قال الشاعر الشعبي الجزائري، العيد دبوسي:»إذا كنا نريد حقا التوثيق لتاريخ الجزائر، علينا العودة لتسجيل الإبداعات التعبيرية الشعبية، النابعة من واقع الأوساط الشعبية بالقرى والبوادي والأرياف، كمحرك رئيسي لأحداث الثورة الجزائرية وصانعي مجدها، وقد تجلت هذه الروح الوطنية بالمشاركة الواسعة والفعالة لكافة مكونات المجتمع في حركة التحرر من الاستعمار والشروع قدما في بناء الدولة الحديثة...»
أكّد دبوسي في تصريح لـ»الشعب» على أهمية الأدب الشعبي في تاريخ الجزائر من قصة وشعر وأغان، وكذا الحكاية والخرافة والأمثال والألغاز وغيرها من الفنون الرائدة في التوثيق والتأريخ الوطني في مختلف أطواره ومظاهره، مستندا في ذلك على الدور الريادي لـ»الشعر» كواحد من أهم الأشكال التعبيرية انتشارا في الجزائر ..
ويرى محدّثنا أنّ «القصيدة الشعبية الجزائرية في الأسواق والبراحة، عبّرت بصدق عن القيم والثوابت الاجتماعية الأصيلة، فضلا عن أنها شكلت دفعا قويا للثورة التحريرية، والتي تحددت أهدافها بترسيخ حب الوطن والانتماء إليه، حيث كان الشاعر الشعبي كالصحفي في نشر اﻟﻮﻋﻲ واﻟﺮوح اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ، كذالك بعض القصائد لشعرائنا القدماء تعتبر وثائق تاريخية وحقائق، وكانت هناك قصائد مشفرة عبارة عن ألغاز بين أبناء الوطن والمجاهدين آنذاك».
كما أوضح دبوسي أنّ «الشعر الشعبي وعلى اختلاف أغراضه ضمن لجميع الفئات والطبقات الحق في المعلومة وإدراك العالم والتعبير عن المشاعر والأحاسيس ومعاناة الطبقات المحرومة، نظرا لغياب وسائل الاتصال والإعلام المتطورة في ذلك الوقت، وكان ولا يزال المرآة العاكسة لقضايا المجتمع والحياة في المجتمعات التقليدية البسيطة.
وعاد ليؤكّد على دور الشعر والشعراء الشعبيين في استنهاض الهمم وتعزيز مفهوم وقيمة الانتماء للوطن، ومن ناحية أخرى تنمية روح التسامح والمعايشة والجماعة، مستطردا بالقول: «وبالرغم من التحولات المتسارعة التي يشهدها العالم، ما زال الشعراء الجزائريين متمسكين بواجبهم تجاه شعبهم وقضاياه العادلة، ولاسيما في الفترات العصيبة والحرجة، عندما يكون الوطن في أشد الحاجة إليهم وإلى إسهاماتهم».
وهنا استدل بكوكبة من فحول الشعر الشعبي والملحون، الذين وضعوا بصمة فريدة في مختلف القضايا المتعلقة بالمجتمع والحياة وساهموا كثيرا في صنع تاريخ الجزائر، من أمثال صالح بدري من بسكرة، وبن السايح الخثير من الأغواط، وعبد الغفار عبد الحفيظ من ولاية المسيلة، وعرابي عبد القادر من مستغانم، وابراهيم بو سعدية من البويرة، وشاعر البيض جلول جلجلي، وغيرها من أبطال الشعر الشعبي الجزائري الذين أرّخوا لمعارك ومواقف وأحداث وأشخاص صنعوا مجد الجزائر...
وفي الختام شدّد العيد دبوسي، على ضرورة إنصاف الشعر الشعبي في الجزائر، على حد تعبيره، بدءا من تبسيط الكلمات واستعمال اللغة المتداولة في عموم الوطن، بهدف تسهيل وصول الفكرة للمتلقي، بعيدا عن اللهجات المحلية، منوّها في هذا الإطار إلى اجتهاد بعض الشعراء والشباب المثقف من أجل توحيد الكلمة وتسهيل المفهوم والمعاني، كما أشار إلى طبقة أخرى تكتب قصائدها بلغة ثالثة معاصرة، يفهمها كل أبناء الوطن، بعيدا عن المحليات.
جدير بالذكر أنّ العيد دبوسي، شاعر شعبي ملحون حاصل على بطاقة فنان وبطاقة مؤلف عنده ديوان عنوانه «آهات» من مواليد 1967 بعين الحجل ولاية المسيلة.